الأحد، مايو 17، 2009

النضج المعرفي (نَصٌ راقٍ)



عشق المعرفة .. الانفتاح الثقافي .. السمو المعرفي .. النضج الفكري كل تلك عناوين لهذا النص الجميل لأبي حامد الغزالي في كتابه "المنقذ من الضلال"



يقول رحمه الله:
" ...ولم أزل في عنفوان شبابي وريعان عمري، منذ راهقت البلوغ قبل بلوغ العشرين إلى الآن، وقد أناف السن على الخمسين، أقتحم لجّة هذا البحر العميق، وأخوض غَمرَتهُ خَوْضَ الجَسُور، لا خَوْضَ الجبان الحذور، وأتوغل في كل مظلمة، وأتـهجّم على كل مشكلة، وأتقحم كل ورطة، وأتفحص عن عقيدة كل فرقة، وأستكشف أسرار مذهب كل طائفة؛ لأميز بين مُحق ومبطل، ومتسنن ومبتدع، لا أغادر باطنيًّا إلا وأحب أن أطلع على باطنيته، ولا ظاهريّاً إلا وأريد أن أعلم حاصل ظاهريته، ولا فلسفياً إلا وأقصد الوقوف على كنـه فلسفته، ولا متكلماً إلا وأجتهد في الإطلاع على غاية كلامه ومجادلته، ولا صوفياً إلا وأحرص على العثور على سر صوفيته، ولا متعبداً إلا وأترصد ما يرجع إليه حاصل عبادته، ولا زنديقاً معطلاً إلا وأتجسس وراءه للتنبه لأسباب جرأته في تعطيله وزندقته.

وقد كان التعطش إلى درك حقائق الأمور دأبي وديدني من أول أمري وريعان عمري، غريزة وفطرة من الله وضُعتا في جِبِلَّتي، لا باختياري وحيلتي، حتى انحلت عني رابطة التقليد وانكسرت علي العقائد الموروثة على قرب عهد سن الصبا..."


ثم ذكر قاعدة في غاية الروعة، حيث قال: ".. فعلمتُ أن ردّ المذهب قبل فهمه والاطلاع على كنهه رميٌ في عَماية.."


تعليقي:


هذا النص الرائع للغزالي يمثل منهجا فكريا لمن أراد أن يرقيَ في سُلّم الثقافة والفكر، فهذه المسيرة الفكرية تمثل منهاجا نيّرا يحترم العقل، ويوّسع الأفق، ويُعمّق المعرفة..

الغزالي لم يختر طريقه إلى بعد أن خبر بقية الطرق، ولم يحدد المسلك إلى بعد أن امتحن بقية المسالك، فلم يبنِ رأيه على ردّ فعل، أو تأثّر عاطفي، أو تقليد للموروثات وإنما اختار بعد فحص واختبار .


إن حب الغزالي للاطلاع على ما عند الآخر من أفكار، جعله يعمّق نظرته لفكره، فمعرفة الآخر تجعل نقدنا له عن علم ودراية، لا جهل وعماية، حتي لا نصيبه بجهاله {فتصبحوا على ما فعلتم نادمين}



تحياتي
بوسند

هناك 4 تعليقات:

أبو أسامة يقول...

حق لمثل هذه النفوس أن تشرف بالعلم

طبعا علم البواطن والأسرار لا الظواهر التي يدركها حتى الحاسوب.

غير معرف يقول...

انزين بوسند شسالفه السلف عليه عيل .. وخاصة كتابة احياء علوم الدين ؟ مابقى احد ماحذرني منه

بوسند يقول...

أو أسامة ..

رزق الله علم البواطن والظواهر

بالتوفيق

:::::::::::::::::::::

غير معروف ..

اقرأ كتاب القرضاوي "الغزالي بين المادحين والقادحين"

من لم يقرأ الإحياء فليس من الأحياء :)

تحياتي

إيلاف يقول...

اضاءة جميلة