استعرضت في البوست السابق الحال المزري للحركات السياسية في الكويت وخصوصا بعد الانتخابات الأخيرة، هذا الوضع جعل الحكومة – رغم ضعفها - تنجح في اختراق هذه التيارات وتفكيكها وتفريق كلمتها، على النحو الذي ذكره الزميل طارق المطيري في مقاله في جريدة عالم اليوم ، وبذلك يكون فساد الحكومة قد امتد إلى الحركات السياسية بعد أن مرّ بطريقه على القبيلة والطائفة وسائر الفئات !
إن اختراق الفساد الحكومي للحركات السياسية مؤشر في غاية الخطورة، فمن المفترض أن تكون هذه الحركات القائمة على البرنامج والمشروع السياسي هي أول من يقف سداً منيعاً في وجه هذا الاختراق الفاسد الذي لم تسلم منه بقعة في هذا البلد، لأنه المنطق يقول بأن هذه الحركات قد تأسست من أجل تقديم النموذج الصالح، وإصلاح الخلل و محاربة الفساد في الجانب الحكومي، فماذا سيبقى لنا من أمل إذا بدأ الفساد ينخر في جسد من يُرجى منهم الصلاح و الإصلاح، لا شك في أن هذا مؤشد على أن الأمور قد وصلت إلى حافة الهاوية!
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام: لماذا وصلت الحركات السياسية في الكويت إلى هذا الحال البئيس؟
قبل الإجابة على هذا التساؤل يجب التأكيد على أن إضعاف الحركات السياسية وتهميش دورها ليس من صالح البلد، لأن إضعاف روح العمل السياسي الجماعي سيكون لصالح تضخيم النزعة الفردية وتعزيز دورها في قيادة الساحة، وهذا يعني المزيد من التدهور والإنحدار، فوجود حركات سياسية قوية تتنافس في طرح الرؤى والبرامج، يؤدي إلى زيادة الوعي العام كما يعزز (سُنة التدافع) التي تُطور المجتمعات وتنهض بها، فيكون التنوع المثري الذي يمثل إضافة نوعية للبلد.
لا أستطيع أن أحصي أسباب تدهور الحركات السياسية في الكويت، ولكنني سأذكر سببين أراهما رئيسيين في الوصول إلى هذا الحال، وهما:
الأول: أن أغلب هذه الحركات لم تقم على أساس سياسي بحت، بمعنى أنها تقوم على مشروع وبرنامج سياسي واضح المعالم، محدد الرؤية والمنهج، وإنما أغلب هذه الحركات السياسية تمثل جناح سياسي لحركات فكرية أيديولوجية قائمة على فكر شمولي، ومن ثَمّ فإنها لا تمارس السياسة باحتراف بقدر ما تمارسها كأمر واقع يجب التعامل معه في إطارالعمل اليومي، ولذلك تجد أن بعض العاملين في هذه الحركات السياسية لا يؤمنون بالعمل السياسي الديمقراطي، وإنما يؤمن بفكرة وأيديولجيا تربوا عليها ثم وجدوا أنفسهم منساقون إلى العمل السياسي جبرا أو اختيارا!
الثاني: أن هذه الحركات لا تمثل الشارع السياسي تمثيلا حقيقيا، وإنما تمثل مجموعة من النُخب جمعتها مصالح تجارية أو أفكار إصلاحية عامة، ربما يمثل كثير منها أحلاما طوباوية، فأصبحت منغلقة على نفسها لا تسمح لعامة الجمهور بالإنضمام إليها إلا في أضيق الحدود ووفق شروط غاية في التعقيد!
هذا الإنغلاق هو الذي ساهم في انخفاض الوعي السياسي وبـ (كفر) الجمهور بالعمل الحزبي أو السياسي المنظم، لأنهم لم يشتركوا به، فهو بالتالي لا يعبر بشكل مباشر عن همومهم وطموحاتهم، بل إن الغموض الذي يكتنف الكثير من جوانبه جعل الجمهور يشعر بالريبة والشك تجاهه
فكيف لهذه الحركات أن تشتكي من عدم تقبل الشعب للعمل السياسي المنظم وهم لن يُشركوا الشعب في هذا العمل، وأغلقوا الأبواب في وجهه، وجعلوه مقصورا على نخبهم ذات المواصفات الخاصة، لذلك يجب على هذه الحركات أن تعلم بأنها - وبأسلوب عملها المتبع - ساهمت في تأخر النضج السياسي عند عموم أبناء الشعب، حين حرموهم من الانخراط في العمل السياسي المنظم !
يضاف إذ إلى ذلك وجود العديد من الشخصيات القيادة في تلك الحركات لديها مصالح مشتركة مع بعض المتنفذين، فصارت بعض هذه الحركات مثقلة بشخصيات قيادية لديها شبكة مصالح تقف عائقا أمام العمل السياسي الشفاف و المنفتح ، لا شك أن مثل هذه العلاقة سيكون لها تأثير كبير على الموقف السياسي، ووبتوالي تلك المواقف التي بُنيت على (الحسابات الخاصة) يكون لتلك الحركات رصيد وإرث من المواقف السياسية التي تُزري بالصورة العامة للحركات السياسية .
في تصوري أن معرفة أسباب التصدع الحركي في الكويت سيقودنا إلى معرفة الحل والمخرج لهذه الحركانت، حتى تنهض لممارسة دورها الحقيقي المنوط بها لكي تقود حركة تطور المجتمع وتقدم الدولة .
أكرر على أهمية وضرورة وجود حركات سياسية فاعلة للنهوض بالبلد، وأن النزعة الفردية طارئة على العمل السياسي، وأن أي تطور سياسي سيكون في صالح الحركات السياسية، لذلك عليها أن تعي دورها وتقف أمام مسؤولياتها فتلتفت لنفسها أولا، وتعيد صياغة نفسها ورؤاها ومنهجية عملها بشكل يؤهلها لقيادة حقيقة للواقع السياسي، ولرسم المستقبل الذي بات موضع قلق من الجميع !
والحمد لله على كل حال ..
تحياتي
بوسند