شاءت أقدار ربي أن تجعلني آتي إلى أرض الكنانة مجبرا لظروف الدراسة ، بعد أن كنت أتمنى زيارتها زيارة الأحبة ...
منذ زمن و نفسي تتطلع لزيارة هذا البلد العظيم الذي يمثل عامودا رئيسيا في تاريخ البشرية ..
كنت مشتاقا لرؤية نيلها و الإبحار فيه ...
كنت مشتاقا للاختلاط بشعبها الحبيب و البسيط ... و المرح
كنت أتمنى زيارة أحيائها البسيطة و التجول في أسواقها الشعبية ..
و الجلوس في مقاهيها..
و زيارة مكتباتها العامرة
كنت أتوق للصلاة في أزهرها الشريف ..
وزيارة المشاهد و الأضرحة .. ( بقصد السياحة لا التعبد ) ..
و مشاهدة الناس التي تتقرب إلى الله و إلى أصحاب تلك القبور .. فذلك يثير فيني الفضول و يفتح ذهني على الكثير من الخواطر و التأملات ..
.أما زيارة الأهرامات فلم أفكر في زيارتها و لم تتطلع نفسي لذلك ..
لأنني بطبيعتي أكره الاقتراب من الطغاة و المتفرعنين ..
و لا أحب تضييع الوقت في الالتفات إليهم .. لأني أعتقد أن ذلك يعزز من تقديرهم لذواتهم المتضخمة ...
كان بودي أن أبتعد قليلا عن الأجواء السياسية التي أخذت من الذهن و الوقت في الفترة الماضية الشيء الكثير ..
و فعلا ... نسيت السياسة و السياسيين بعض الشيء ..
و لكني سرعان ما أتذكر بعض السياسيين عندما أرى بدلات الرقص المعروضة للبيع في أسواق شارع الهرم !!
مما زاد شوقي لمصر أنني قبل و أثناء سفري إليها و أنا أقرأ في كتابين يصفان بعض جوانب الحياة فيها ، و بالأخص الحياة الثقافية و الفكرية ..
و هذان الكتابان هما : 1- كانت لنا أيام في صالون العقاد . تأليف أنيس منصور
رواية شقة الحرية . غازي القصيبي
و قبل زيارتي لمصر سمعت نصائح من بعض الأصحاب و الأقرباء ... فمنهم من كان يغبطني على زيارتي ... و منهم من كان يشفق علي منها و يحذرني من زيارتها و يقول : الله يعيييينك عليها .
و ما زلوا بي بين مادح و قادح ..
و كنت أميل إلى من يمدح لأنني في مثل هذه الأمور أحب أن أتبع حديث قلبي ..
نزلت إلى مصر مستذكرا قول الله تعالى { اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم }
.. خرجت من المطار و كان الجو لطيفا .. فإذا بي أمام جيش من سائقي التكسي و أخذوا يتجاذبوني بعنف و آنا بينهم أحاول محاولات يائسة الاستفسار عن مميزات كل واحد منهم و أحاول أن أقارن بين مايقدمه من خدمات و بين السعر ...
لكن هذه المحاولات التحليلية باءت بالفشل جميعها لأن البقاء في النهاية للأقوى و الأعنف ..
عند باب المطار اتفقت على سعر الليموزين الذي سيأخذني إلى شارع الهرم و كان السعر 65 جنيه .. و بقدرة قادر.. ما إن وصلت إلى باب اليموزين حتى وصل السعر إلى 85 جنيه ...
لم أستغرب جدا من ذلك ..لأن مصر أم العجائب ..
انطلق سائق التكسي يشق زحام القاهرة ... و قد كنت أسمع عن زحمة القاهرة .. فعلا هي مزدحمة و لكن الشوارع سالكة ... بخلاف ديرتنا الحبيبة فشوارعها مختنقة دائما ..
كنت سعيدا .. فقط لأنني في القاهرة ..
كان شعورا رائعا يغمرني لأني في أحد المدن التاريخية ...
القاهرة جميلة بمبانيها التاريخية ...
يبد ولي أنها لم تتغير عن أواخر أيام الدولة العثمانية إلا بنسبة 40 % فالمباني و الأحياء التاريخية فيها أكثر من الجديدة .. و أنا من طبعي أعشق القديم من العمران ..
التفاوت الطبقي شديد في مصر فهناك من الناس من يتسول ويفترشون الأرض و يلتحفون السماء و تشاركهم القطط في طعامهم ..
و هم الذين ينطبق عليهم قول الشاعر :
يمشي الفقير و كل شيء ضده *** و الناس تغلق دونه أبوابها
و تراه ممقوتا و ليس بمذنب *** و يرى العداوة لا يرى أسبابها
حتى الكلاب إذا رأت ذا ثروة *** حنت إليه و حركت أذنابها
و إذا رأت يوما فقيرا ماشيا *** نبحت عليه و كشرت أنيابها
و هناك من يمتهن مهن وضيعه مثل ( صرماتي ) يعني ماسح أحذية ..
و منهم صاحب ( الحنطور ) الذي يجره الحمار و هو يحمل عربة فيها الخبز أو الخضار ... أو القمامة
و على كل حال هم أفضل من الصنف الأول !!
وهناك أصحاب الدخل المتوسط كالمدرسين و الأطباء ... و هم أحسن حالا بلا شك
و أخيرا .. الطبقة العليا أصحاب المراكب الفارهة و الأرصدة المتضخمة .. و أظنهم قلة .. فلم أشاهد منهم إلا القليل ..
العجيب في مصر أنه لا يوجد فيها عمالة وافده ، فجميع العاملين فيها ، من أصغر وظيفة إلى رئيس الدولة كلهم مصريون !!
و لا أدري إن كان ذلك ميزة أم عيب ..؟!!
لكم التحية .. و للحديث بقية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق