في جلسة ثقافية جميلة، في إحدى المقاهي في مدينة الكويت، دار حوار بيني وبين زميلي الأستاذ فرناس حول بعض الإشكاليات التي تُثار حول السنة النبوية الشريفة.
تشعب بنا الحوار، ودخل فيه عدد من الإخوة، إلى أن تغيّر الموضوع؛ لذلك وجدت من المفيد أن أعيد طرحه هنا، حيث يمكن مناقشته بأجواء أكثر هدوءا .. لا يمكن أن تتوافر في المقاهي :)
إذا أردت أن ألملم أشتات الموضوع فيمكن أن أقول بأن الحوار دار حول فكرتين رئيسيتين :
الأولى : البيئة و الظروف التي أحاطت بالسنة النبوية .
الثانية : تدوين السنة النبوية، هل كان في فترة متأخرة أم مبكرة بالنسبة للعهد النبوي الشريف ؟
وسأبدأ بالفكرة الأولى ، فأقول :
لا بد قبل الخوض في الحديث عن السنة و تدوينها، أن نتحدث عن الظروف المحيطة بتلك السنة، والبيئة التي جاءت فيها ، فلا يمكن – في تصوري – دراسة موضوع تدوين السنة منفصلا عن سياقه الظرفي.
وإذا أتينا إلى الظروف التي أحاطت بالسنة فيمكن إرجاعها إلى ثلاثة :
أولا : ظروف تتعلق بالعرب كأمة، لها سماتها وخصائصها وظروفها الخاصة، ومن هذه الظروف:
1- أنها أمة أمية لم تعرف العلوم والفنون التي كانت سائدة في ذلك الوقت عند بعض الأمم، وإنما يكاد يكون الفن الوحيد الذي برعت فيه، بلغت به شأوا عظيما هو فن (البيان)، وما يتعلق به من علوم اللسان؛ ولذلك جاء القرآن معجزة من جنس ما برعوا به .
" وبسبب هذه الأمية، وخلوّ أذهانهم من العلوم و المعارف، فقد كانوا مهيئين لتلقي القرآن والسنة وما فيهما من شرائع ، والاعتناء بها وحفظها .. "
2- بما أن العرب كانت أمة أمية، فإنه من الطبيعي أن يقل فيهم الكتاب والقرّاء، لذلك نمت واستقوت عندهم ملكة الحفظ، وصار الاعتماد على الذاكرة هو الوسيلة الوحيدة لحفظ تراثهم وتاريخهم، ولا شك أن الملكات والقدرات تنمو وتزدهر متى ما توافرت لها الفرص، واشتدت الحاجة إليها، لذلك ربما يصعب – في هذا العصر- تصور القدرات الهائلة على الحفظ التي يمتلكها العقل البشري، وذلك لأن منتجات الحضارة قد أخرجت لنا ما يمكن أن نستغني به عن ذاكرتنا ، وهذا أدى إلى ضمور هذه الملكة عند الكثيرين
ثانيا: ظروف خاصة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومنها:
1- أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان من قريش، وهي أفصح القبائل العربية، وكان النبي أفصحهم وهو الذي أوتيَ جوامع الكلم، وهذا لاشك في أنه يساعد على سهولة حفظ كلامه، وكانت العرب مغرمة بحفظ جزل الكلام وفصيح المقال .
2- يقول أنس بن مالك رضي الله عنه في وصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم : " كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا حتى تُفهم عنه " رواه البخاري رقم(95) ، وهذا أدعى للحفظ
3- كان صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يعلّم أصحابه السنن، ويحفّظهم إياها، كما فعل مع البراء بن عازب في حديث النوم ( البخاري رقم:247)
وقول جابر : كان يعلمنا الاستخارة (البخاري رقم:1096)
وقول ابن عباس : كان يعلمنا التشهد (مسلم189)
وقوله لابن عباس : يا غلام إني معلّمك كلمات . مسند أحمد رقم: (2672)
وقوله لوفد قبيلة عبد القيس : احفظوه، وأخبروه من وراءكم (البخاري رقم 87)
وغيرها .
4- كان صلى الله عليه وآله وسلم يحذر من الافتراء عليه : " من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار "
رواه البخاري رقم107
هناك ظروف أخرى أيضا تتعلق بالصحابة والتابعين، لا أحبذ الاستطراد بها الآن، ولعلها تأتي في ثنايا الحوار، أو في أوقات لاحقة .
مما سبق يتضح أن الظروف التي أحاطت بالسنة النبوية ساعدت على حفظها ورسوخها وتمكنها في القلوب والعقول قبل السطور.
أما فيما يتعلق بالفكرة الثانية التي دار الحوار حولها ، وهي زمن تدوين السنة النبوية ، هل كان في عهد الصحابة، أم أنه جاء متأخرا ، وذلك في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز ، كما يظن كثير ممن كتب في شأن الدفاع عن السنة النبوية !
أقول بإيجاز : إن كثرا من السنة النبوية قد دُوّن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم !! ، والذي يبدأ من الهجرة إلى وفاته، هذا فضلا عن ما تم تدوينه في عهد الصحابة و التابعين .
ومن هنا يمكن تقسيم ما تم تدوينه في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى قسمين:
الأول : ما أمر النبي عليه السلام بكتابته مثل:
1 - المعاهدات و الوثائق والرسائل ، وفي هذا يُرجع إلى كتاب : مجموع الوثائق السياسية للعهد النبوي تأليف محمد حميد الله .
2- كتاب الصدقات الذي فصل فيه مقادير الزكاة ، وكيفية أخذها ، وهو كتاب طويل، صار – بعد وفاة النبي – إلى بكر الصديق حيث نسخه إلى عدة نسخ ووزعه على جباة المال ، يراجع فتح الباري (3/318 )
3- صحيفة عمر ابن حزم عندما بعثه النبي عليه السلام إلى اليمن فكتب له كتابا فيه الكثير من السنن الاقتصادية والجنائية ، وقد أوردها ابن حبان كاملة في صحيحه برقم (6559)
4- كان لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه صحيفة أيضا فيها الكثير من السنن ذكرها البخاري برقم (111) .
5- ما أمر النبي عليه السلام بكتابته لرجل اسمه ( أبو شاه ) البخاري رقم (112)
6- جاء ررجلٌ إِلى النبيِّ صلى الله عليه وسلّم يشتكي سوءَ الحِفْظِ فقالَ: «اسْتَعِنْ بيمينِكَ».رواه الترمذي وضعفه ، لكن الإمام المناوي يقول : " لكن له شواهد منها: "قيدوا العلم بالكتابة" وفيه الأمر بتعليم الكتابة لأن ما توقف عليه المطلوب مطلوب بل قيل بوجوبه كفاية لم يبعد بناء على ما ذهب إليه جمع من أن الكتابة للعلم واجبة " فيض القدير(1/492)
الثاني : ما كتبه الصحابة رضي الله عنهم بإذن من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وأمثلة ذلك :
1- ما كتبه عبد الله بن عمرو بن العاص في صحيفته التي سمّاها ( الصادقة ).
يقول ابن عمرو : " كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله " وقد نهته قريش عن ذلك ، فلما ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له :
" اكتب فوالله ما يخرج مني إلا الحق " أخرجه أبوداود وصححه ابن خزيمة(2280)
وقال أبو هريرة رضي الله عنه : " ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثا عنه مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب " البخاري(113) .. والترمذي وأحمد
وقد ذكر ابن الأثير أن هذه الصحيفة كان فيها ألف حديث . أسد الغابة(3/233)
2- صحيفة أنس بن مالك ، خادم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان يحدّث الناس منها . تقييد العلم(94) ، وقد سمعها منه أكثر من 200 عالم وشيخ.
3- سعد بن عبادة الأنصاري ، كانت عنده صحيفة بقيت بعد وفاته عند أهل بيته يتوارثونها ويحدّثون منها .
الترمذي (1343)
4- صحيفة جابر بن عبد الله ، والتي رواها عنها جمع كثير من العلماء مثل : عبدالرزاق في مصنفه ( 21341)
وجاء في تهذيب الكمال أن قتادة قرئت عليه صحيفة جابر فحفظها (15/224)
وروى عنها مجاهد . طبقات ابن سعد(6/19)
وعرضت على سعيد بن المسيب فلم ينكر . العلل ومعرفة الرجال (3/470)
إذن المصادر التاريخية تؤكد بشكل واضح – يكاد يكون متواترا – أن قدرا كبيرا من السنة النبوية قد كُتبت في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بل إن الأستاذ محمد الأعظمي ذكر- في دراسات حول الحديث النبوي - أكثر من خمسين صحابيا ممن كتب الحديث !
أعتذر عن الإطالة، فقد حاولت الاختصار قدر المستطاع، فلم أنقل الروايات كاملة،وإنما اكتفيت بالإشارة إلى المصادر، وذلك خوفا من الإطالة و الإملال ..
والحمد لله على كل حال ..
تحياتي
بوسند
هناك 21 تعليقًا:
"إشكاليات" .. لم أفكر بها من قبل..
ما شاء الله .. طرح متناسق وملم للأفكار..وموضوع البوست مشوّق.. الإنسان بطبعه طمّاع فقد كنا نرجو لو طال موضوع البوست قليلا:)..
ولكن تساؤلي هو ما هي النقطة التي تود الوصول إليها عن طريق المناقشة؟ فالأمور التي أوضحتها جزاك الله خير أظهرت الحقائق التي تنفي الإشكاليات من جذورها..
جزاك الله خير..
جزاك الله خيرا
سرد جميل للحجج ،وكنت اود الاضافة الا انه مع قراءتي لكل المقال وجد انك ذكرتها بتأصيلها الشرعي ،
هذا حجتك فما حجة صاحبك ؟
او اين مكمن النزاع في الموضوع ؟
الأخت مستعدة ..
كتبت ما كتبت وأنا أخشى الإطالة والإملال.. لكن نهمك المعرفي بدد تلك المخاوف ..
بارك الله لك في علمك .. وزادك من فضله .
أما النقطة التي أود التوصل إليها هي أن السنة النبوية لم تكتب - كما يظن البعض - في فترات متأخرة من التاريخ الإسلامي ،و إنما تم توثيقها في الأيام الأولى للإسلام .
تحياتي ..
:::::::::::::::::::::::::
الأخ الكلداري
لا تحرمنا من إضافاتك النافعة ..
مكمن النزاع هو أن الأستاذ فرناس يتبنى وجهة النظر التي ترى بأن السنة دّنت في عهد متأخر .. وله في ذلك أدلته
.. شكرا على المرور
بارك الله فيك.
كلام موجز لكن بليغ. :)
ويا حبذا لو وضعت لنا بعض المراجع المفيدة لمن أراد الاستزادة.
أهلا بك شرق ورق ..
من المراجع المفيدة في هذا الجانب :
- السنة النبوية ومكانتها في التشريع لمصطفى السباعي
- دفاع عن السنة النبوية د. عبدالغني عبد الخالق
- تاريخ السنة النبوية د. حاكم المطيري
- الحديث والمحدثون للشيخ أبوزهرة
- بحوث في تاريخ السنة النبوية . للشيخ أكرم ضياء العمري
ولك أخلص التحايا
أفدتنا .. بارك الله لك فيما تعلم و علمك ما لا تعلم
أعتقد أن الاضافة الى علوم البشرية تبدأ بالتخصص و تمر باعمال الفكر و تنتهي بإضافة الجديد الى حيث وقف المتخصصون السابقون ..
من أسرار التقدم عند الغرب أنهم يتخصصون مبكرا .. فتجد منهم من لم يجاوز العشرينات من عمره و قد حصل على الدكتوراه ..
فتخيل اضافة سنوات من البحث الى ما وصل اليه في سن مبكرة .. وهذا يجعلنا نحرص على انضاج عقول ابناءنا في وقت مبكر لعلهم يستدركوا ما فاتنا ، في نفس الوقت لا يوجد من هو كبير على العلم و في سيرة العز بن عبد السلام لنا عبرة
بعض الابحاث تشير الى أن الطفل بإمكانه تعلم القراءة منذ سن الثالثة اذا وجد الاهتمام الكافي منذ سنواته الاولى
عفوا خرجت عن الموضوع .. بس هذه خاطرة مرت اثناء قراءتي لهذا البوست المميز ..
شكرا أيتها العين على ما تفضلت به ..
ولا أجد ما أزيد به على كلامك سوى الإشارة إلى محاذير التخصص ، وقد ذكرهاأكثر من واحد من المفكرين منهم د. عبدالكريم بكار ، ود. إبراهيم البليهي
شكرا على الاستطرادات التربوية ..
كثري منها :)
تحياتي
محاذير التخصص ؟
بصراحة لم أفهم قصدك ؟
د.بكار نفسه في كتابه وجهتي في الحياة تكلم عن أهمية أن يخصص الانسان نصف وقته المخصص للقراءة، للقراءة في مجال تخصصه ...
و تكلم عن أهمية أن يكون للانسان تخصص يبرع فيه
و نعم تكلم عن أهمية البحث و الدراسة في العلوم الأخرى مما يعطي الانسان نظرة شمولية و استشهد ببعض تجاربه الشخصية في مؤلفاته
التخصص لا ينفي تنمية الثقافة في المجالات المختلفة
و انا شخصيا أعجبتني تقسيمة د.عبدالكريم بكار .. لتنظيم عملية صناعة الثقافة
20% المعرفة الشرعية (العقيدة الحديث الفقه التفسير الآداب الاخلاق الاسلامية الحضارة الاسلامية و التاريخ الاسلامي)
30% الثقافة العامة
(كل ثقافة و معارف لا تدخل تحت الثقافة الشرعية أو تحت الثقافة المتخصصة )
50% ثقافة متخصصة (و هي ما أقصده عندما أشرت الى التخصص) و هي بحسب ما ذكره د.بكار الانخراط في دراسة منهجية و حصر الاهتمام في مساحات معرفية محددة و هذا بالطبع يحتاج تركيز و له كلمة حلوة في التخصص يقول : (ان العلوم لا تتقدم إلا من خلال البحث في جزئياتها الصغيرة ثم إن أي تخصص لا يؤتي ثماره اليانعة إلا اذا تفوق فيه صاحبه تفوقا ظاهرا جدا إلى درجة أن يصبح حجة أو مرجعا فيه)
اعتقد ان هذا التفوق في التخصص الذي اشار اليه بكار محتاج اهتمام مبكر و تركيز في مجال التخصص
و بدون مجاملات ..أحس أنك ممكن تكون هذا الشخص الذي يبرع في تخصص لدرجة ان يصبح حجة فيه ..
مشاءالله عليك ..
برافو ..
..أجبتي بنفسك عن محاذير التخصص ..
فمن محاذير التخصص هو أن يجعل الإنسان نسبة قراءته في تخصصه 100%
فيكون جاهل فيما عدا تخصصه ، فيُحرم من النظرة الشمولية، ومن المعرفة العامة ..
هذا ما كنت أقصده من محاذير التخصص ..
أما عن رأي د. البليهي .. في التخصص فربما أُفرد له بوست خاص .
شكرا على الإطراء .. وأخشى أن تكوني قد استسمنتِ ذا ورم ..كما تقول العرب :)
أخلص التحايا
زميلي العزيز بو سند
تحية حارة لك
أودت إن سمحت لي أن أتطرق إلى النقطة الثانية أولاً، إذ أراها أن الأسهل في التفنيد وخصوصاً أن بعض الباحثين قد تطرق لها بالبحث. فمن حيث المضمون العام فإن قولك بأن (الكثير)، كذا، من السنة النبوية قد دون في عهد النبي (ص) هو أمر لا يمكن إثباته وتخالفك فيه نصوص كثيرة تم نقلها في كتب الحديث والفقه. بل حتى استقراء آليات نقل الحديث في القرن الأول الهجري كفيلة بأن تلغي هذا الفرض وتعارضه. وسوف أستعين في سبيل هذا الغرض بتلخيص من كتاب:
تدوين السنة، ابراهيم فوزي، رياض الريس للكتب والنشر، الطبعة الثانية، المملكة المتحدة 1995
وإن كنت سوف أضيف مما لم يرد في هذا الكتاب.
جاء في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري أن النبي (ص) قد نهى عن تدوين الحديث فقال (لا تكتبوا عني غير القرآن، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه)
وعن أبي هريرة أن النبي (ص) خرج عليهم وهم يكتبون أحاديثه، فنهاهم، حتى قال أبو هريرة (فجمعنا ما كتبناه وأحرقناه بالنار) [تقييد العلم، الخطيب البغدادي]
وفي حديث آخر لأبي هريرة أن نبي صعد المنبر ونهى عن كتابة الحديث، ثم أمرهم بأن يأتوا بما كتبوه. قال أبو هريرة (فجمعنا ما كتبناه وأتلفناه) أو قال (فأحرقناه). [المصدر السابق]
وعن زيد بن ثابت أن النبي (ص) نهانا أن نكتب حديثه. [المصدر السابق]
وعن أبي سعيد الخدري قال (استأذنت رسول الله أن أكتب حديثه فأبى أن يأذن لي) [المصدر السابق]
وقد ورد النهي عن كتابة الحديث على لسان عدد من الصحابة منهم ابو هريرة وزيد بن ثابت وابن عباس وعبدالله بن عمرو وعبدالله بن مسعود.
وحتى الذين يقولون بأن أحاديث النهي وردت في أول الدعوة حتى لا تختلط بالقرآن هم أصلاً محجوجون بأحاديث أبي هريرة. لأن أبو هريرة جاء من اليمن إلى المدينة في السنة السابعة بعد الهجرة، فهذا النهي بالتأكيد ورد بعد هذا التاريخ ونحو نهاية حياة النبي (ص). فهذا الإدعاء هو غير صحيح جملة وتفصيلاً. بل حتى منطوق الأحاديث التي فيها كلمة (منبر) تخالف هذا الإدعاء، إذ أن لم يكن للنبي (ص) منبراً في مكة بالإتفاق.
بل أن سيرة الخلفاء الراشدين والصحابة بعد النبي (ص) تؤكد هذا النهي ولا تنفيه بأي حال من الأحوال. فهذا أبو بكر، على رواية ابنته عائشة، أن احرق ما وجده مكتوباً من الحديث [تذكرة الحفاظ، الذهبي]. وعمر على الرواية الشهيرة عنه وتناقلتها مصادر عدة، استفتى الصحابة في كتابة الحديث. فإذا كانت جائزة لا نهي فيها فما هو وجه استفتائهم؟، ثن انتهى وقال (لا كتاب مع كتاب الله) [جامع بيان العلم]، كما أنه أحرق أيضاً جميع ما وجده مكتوباً من الحديث. وخطب علي بن أبي طالب في الناس عازماً عليهم أن يمحوا ما كتبوه عن النبي (ص) [تقييد العلم]. ورفض سعيد بن المسيب أن يكتب حديثاً واحداً، وقال لهم احفظوا [سنن الدارمي]. وريت مصادر كثيرة كراهية التابعين وتابعي التابعين كتابة الحديث. فأين كل هذا مما جاء في مقالتك يا عزيزي؟؟
وعلى فرض أن النبي (ص) قد رخص وأجاز الكتابة، فإن على من يقول هذا الرأي ويتمسك به أن يقول لنا ويفسر لماذا يطبق الصحابة على عدم جمع الحديث في القرن الأول الهجري. سؤال بسيط يا عزيزي ولكنه في رأيي ينسف كل محاولات التبرير التي أتت لتتمسك بوهم الإجازة وغياب النهي.
وأقوى ما يستدل به الذين يذهبون إلى الإباحة هو حديث الترمذي (اكتبوا لأبي شاة) إذ غيرها من الروايات إما لا يصمد أن نقد السند أو ليس فيه دلالة لمعاكسة النهي الصريح أعلاه. وحتى حديث أبي شاة أعلاه ليس فيه دلالة، لأن النبي (ص) أمر بكتابة مجموعة من الوصايا والتي جاءت في خطبة الوداع، وهذا كما هو واضح ليس فيه سنن أو تشريع أو عبادات، لأن خطبة الوداع أتت خالية من هذا كله. وبهذا تسقط حجة اباحة الكتابة على إطلاقها حتى مع هذا الحديث. وفي الحقيقة لقد تعرض مصدر فقهي لنقد هذا الحديث بالذات ولكنه غاب عن ذاكرتي الآن.
أما ما استشهدت به من أمر الصحف المكتوبة، فإن هذه الصحف جميعها مفقودة، وإن ما بقي منها إنما روي بطريق السماع وليس بالكتابة، وهذا يرد استشهادك بها. والدليل، كمثال، أن صحيفة عبدالله بن عمرو بن العاص، والذي استشهدت أنت بها يا عزيزي، لم يُعرف عنها شيء إلا قول ابن الأثير (إذا لم تصل إلينا صحيفة ابن عمرو فقد وصل لنا محتواها لأنها محفوظة في مسند الإمام أحمد بن حنبل). ولكن الأحاديث التي وردت في المسند عن عبدالله بن عمرو، والتي يقول ابن الأثير في أسد الغابة أنها اشتملت على ألف حديث، لا يتجاوز عددها ستمئة حديث. وإذا حذفنا المكرر منها فإن عددها دون الخمسمائة. ولكن هذا ليس كل شيء، فإن جميعها جاء عن الطريق الرواية ولم يأت بسبب وصول تلك الصحيفة أو نسخة عنها لإبن حنبل. ومعظمها جاء عن الرواية عن عمر بن شعيب، وهو حفيد ابن عمرو بن العاص، وقد رواها نقلاً عن أبيه عن جده عبدالله بن عمرو. إذن لم تكن هناك صحيفة أصلاً على معنى التدوين، وإلا لذكرها حفاظ الحديث. وقس الباقي الذي استشهدت به يا عزيزي على هذا المثال.
وبسبب هذا النهي فإن علماء الحديث لقرون تلت وفاة النبي (ص) كانوا لا يجيزون أخذ الحديث عن الصحف المكتوبة إلا إذا رويت بطريق السماع، رجل أو امرأة عن رجل أو امرأة، حتى تنتهي للنبي (ص). وكانوا يطلقون على الأحاديث المكتوبة اسم (الوجادة) وقد اجمعوا على عدم الأخذ بها، ولو عرفوا كاتبها، إلا إذا أخذوها بطريق السماع والرواية كما أمر النبي (ص) بقوله (حدثوا عني).
أرى أن في هذا كفاية للتدليل عن النهي وليس على العكس.
تحياتي الحارة يا عزيزي
فرناس
منطقيا ماهو سبب منع النبي عن تدوين الحديث ؟
ومالذي يجعل الصحابة والتابعين رد الحديث المكتوب وقبول الحديث المنقول ؟
وهل كانوا يقبلون حديثا حفظه صاحبه عن ما كتب بنفسه واودعه داره ؟
واخيرا اين هذا كله من حديث الدواة الكتف الذي امر بهما النبي صلى الله عليه واله في اواخر ايامه ؟
أهلا بك عزيزي فرناس..
وشكرا لك على تفاعلك الرائع ..
إن ماتفضلت به ، كان أكثره نقلا عن كتاب تقييد العلم للبغدادي ، وبالرجوع إلى الكتاب نفسه ، نجد أن ما تفضلت بنقله ونسبته للنبي صلى الله عليه وسلم من إحراق الكتب لم أجده ، وإنما وجدت نفس الأثر لكنه منقول عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه!!
لكن العجيب في الأمر البغدادي بعد أن ذكر باب كراهة كتابة الحديث ، جاء بعده مباشرة بأبواب أخرى نقل فيها ما يصعب وضعه هنا من الآثار التي تدل على كتابة الحديث، فما دلالة ذلك ؟!
ومن الأخبار التي ذكرها .. وهي كثيرة جدا مايلي :
* عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو ، قال: قلت: يا رسول الله إني « أسمع منك شيئا فأكتبه, قال: نعم»
* عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه، عن جده، أنه قال للنبي , صلى الله عليه ,: « أكتب كل ما أسمع منك؟ قال: نعم. قال: في الغضب والرضا؟ قال: نعم, إني لا أقول في الغضب والرضا إلا الحق» .
* كان رجل يشهد حديث, النبي, صلى الله عليه , فلا يحفظه , فيسألني , فأحدثه , فشكا قلة حفظه إلى رسول الله , صلى الله عليه , فقال له النبي, صلى الله عليه : «
استعن على حفظك بيمينك, يعني الكتاب»
* عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال: « الصادقة صحيفة كتبتها من رسول الله, صلى الله عليه» .
* عن عبد الله بن عمرو ، قال: « ما يرغبني في الحياة إلا خصلتان: الصادقة والوهطة فأما الصادقة: فصحيفة كتبتها عن رسول الله, صلى الله عليه, وأما الوهطة فأرض تصدق بها عمرو بن العاص كان يقوم عليها» .
* .. حدثني أنس بن مالك ، أن أبا بكر ، كتب له « فرائض الصدقة الذي سنه رسول الله, صلى الله عليه, قال المادراني هكذا, حدثناه أبو قلابة مختصرا»
* ... قال: أخذت من ثمامة بن عبد الله بن أنس كتابا زعم أن أبا بكر ، كتبه لأنس وعليه خاتم رسول الله صلى الله عليه , حين بعثه مصدقا وكتبه له, فإذا فيه : هذه « فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه, على المسلمين التي أمر الله تعالى بها نبيه صلى الله عليه, فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها, وساق الحديث بطوله» .
* ..عن طارق ، قال: رأيت عليا على المنبر وهو يقول: « ما عندنا كتاب نقرأه عليكم إلا كتاب الله, عز وجل, وهذه الصحيفة, وصحيفة معلقة في سيف عليه حلقة حديد, وبكراته حديد, فيها فرائض الصدقة قد أخذها من رسول الله, صلى الله عليه» .
.
.
والآثار والأخبار أكثر ..
إذا من الواضح أننا أمام نصوص تشير إلى وقوع التدوين ، وأخرى تفيد المنع ، لكنها لا تفيد عدم الوقوع !
والوقوع أقوى أدلة الجواز كما يقول علماء الكلام .
وأمام هذه النصوص التي ظاهرها التضارب لابد من الجمع بين الروايات والأحداث، وقد بذل عدد من العلماء جهودا في هذا الاتجاه، ومن أبرز الأقوال : أن المقصود بكراهية الكتابة فهي كتابة الآراء والاجتهادات ، والدليل على ذلك كراهة تلميذ ابن عباس (عمرو بن دينار) للكتابة ، وكان يقول : " يسألوننا فنخبرهم فيكتبون كأنه نقر في حجر !! ولعلنا نرجع عنه غدا "
وذكروا تخريجات كثيرة منها أن هذا الأمر نسخ بالاوامر المذكورة في الأحاديث التي نتقلتها هنا وبالموضوعالأصلي .
أما اعتراضك على هذه الفكرة بالحديث الذي تفضلت بنقله
" وفي حديث آخر لأبي هريرة أن نبي صعد المنبر ونهى عن كتابة الحديث، ثم أمرهم بأن يأتوا بما كتبوه. قال أبو هريرة (فجمعنا ما كتبناه وأتلفناه) أو قال (فأحرقناه). "
حاولت العثور على هذا الحديث فلم أظفر به ، فأتمنى أن تذكر لي مصدره من الكتب الحديث المسندة ( المجاميع – السنن – الصحاح ..)
وفي تعليقك على هذا الحديث : "بل حتى منطوق الأحاديث التي فيها كلمة (منبر) تخالف هذا الإدعاء، إذ أن لم يكن للنبي (ص) منبراً في مكة بالإتفاق. "
أي إدعاء ياسيدي ، لا أعرف بأن أحد ادعى أن شيئا من السنة دوّن في مكة !!
وأخيرا.. الصحف التي ذكرتُها لم تفقد ياسيدي، وإنما تم تضمينها في الكتب والجوامع التي ظهرت فيما بعد، فانتفت الحاجة إلى تلك الصحف؛ لأنها أصبحت ضمن الكتب الحديثية الكبيرة ( السنن – المجاميع – الصحاح ) .
ومثال على ذلك ، ما ذكره العلماء عن (جامع ) الزهري ، وهو من أوائل ما دوّن ، ذكروا أن فيه أكثر من 1000 حديث ، ولو رجعنا إلى مصنف عبد الرزاق الموجود بين أيدينا وقمنا بجمع روايات الزهري التي فيه عن معمر بن راشد( وهو صاحب جامع أيضا) ، لوجدناها 1000 رواية
إذا هي رواية نسخ عن نسخ، وليست وجادة فقط، فوجود الرواية هو دعم للنسخ يقويها ..
هذا .. والله أعلم
ولك أخلص التحايا
"ليهنك العلم" يا بوسند ... !
the name of shaik abdulghani abdulhalek is hujiat alsunnah
the name of shaik abdulghani abdulhalek is hujiat alsunnah
وروي أن إعرابياً طلب من الرسول عليه الصلاة والسلام أن يعلمه عدد الركعات في كل صلاة فقال له النبي
الظهر والعصر والعشاء أربع ركعات والمغرب ثلاث ركعات
والصبح ركعتين
وما زال الرسول صلى الله عليه وسلم يرددها له وينساها الاعرابي
وكان كعب بن مالك بجانب النبي صلوات الله عليه فاستئذن منه أن يفهم الرجل ويحفظه فأذن له الرسول (ص) فقال كعب للإعرابي
الصلاة أربع فأربع
ثم ثلاث وأربع
وركعتي الصبح لا تضيع
فحفظها الإعرابي
أخي فريج سعود ..
أظن أن البوست مليء بالأدلة على أن السنة كُتبت في عهد الرسول
ج2 : لا يُرد الحديث المكتوب بإطلاق، وإنما يشترط معه الرواية .. وذلك زيادة في التثبت
أما سؤالك الأخير .. فاعذرني لم أفهمه :)
ولك التحية
اسئلتي الثلاث الاولى كانت تؤيد ما ذهبت اليه في ان النبي صلى الله عليه واله لم يمنع تدوين السنة وقد كانت اسئلة منطقية للزميل فرناس
اما السؤال الاخير فهو اثبات وجهة نظرك انت في امر النبي صلى الله عليه واله بالتدوين
واردت ان اثبتها بالحديث المشهور والمتفق عليه عند كل الملل والنحل وهو حديث رزية الخميس
فلا اظن ان الزميل فرناس يجهل هذا الحديث او لم يطلع عليه
وهو عندي اقوى حجة من كل الاحاديث التي سقتها مع تقديري للمجهود الذي بذلته في جمعها
وذلك لان في هذا الحديث بالذات يأمر النبي صلى الله عليه واله امر بتدوين دستور يكفل للامة عدم الضلال بعد رحيله
في حين ان باقي الاحاديث انما تبين ان النبي كان يسمح لهم في التدوين لانهم طلبوا ذلك
مما يبين انه مع التدوين وليس العكس
اتمنى ان اكون قد اوضحت وجهة نظري هذه المرة
أخي فريج سعود ..
عذرا على اللبس اللي حصل عندي ..
وشكرا على إضافتك
لكن أتمنى أن تفيدنا في حديث رزية الخميس .. ماهو ؟
ولك التحية
:::::::::::::::::::::::::
حياك يا بوعمر ..
وبارك الله في جهودك الواضحة ..
تحياتي
::::::::::::::::::::::::::::::::
الحارث بن همام ..
متميز دائما
تحياتي
ولو انك تعبتني بس تستاهل
:)
http://hadith.al-islam.com/Display/Display.asp?Doc=9&ID=84983&SearchText=%CF%E6%C7%C9%20%E6%DF%CA%DD&SearchType=root&Scope=all&Offset=0&SearchLevel=QBE
تشكر ياعم ..
وآسف على الازعاج :)
إرسال تعليق